أنا والطفلة
صوت بكاء مهموس ..أنين..كلمات متقطعة ..تمتمة لم استطع فك رموزها..اقتربت من ذلك الصوت لأرى طفلة صغيرة لم تتجاوز ربيعها الرابع ، شد انتباهي ذلك الثوب البالي الذي أكلته قوارض الزمان ..والذي ارتمى على جسدها النحيل ..لونها الخمري الذي سرق بريقه الحزن ..عيناها السوداوتان التي كساها الحزن بردائه الشاحب ..أناملها القصيرة التي طالما مسحت دموعها تسقط كزخات المطر ..شفتاها التي تشكو من غياب ابتسامة فرح ..شعر اسود كليل يناجي نجومه الغائبة ..
سألتها لعلي أجد ما يبرر سبب حزنها ..
لماذا البكاء يا صغيرتي؟؟
أجابتني بدموع قد شقت لها طريق على وجنتيها ..
سألتها مرة أخرى :أتريدين أمك ؟؟
لكنها لم تعرني أي اهتمام ..استمريت في التحايل عليها ولكن لا حياة لمن تنادي
أمسكت يدها ..صرخت تعبر عن رفضها
جلست أتأمل تلك الطفلة وهي تقبع في ظل منزل قديم ..نظرت إلى بابه المفتوح، عدت بنظري للطفلة فوجدتها تعبث أناملها بالتراب كالموج الهائج عندما يمتد إلى الشاطئ يتراجع ليصفع الشاطئ بضربته القوية ..
اندهشت لما رأيت طفلة في ذلك السن تعبر عن حزنها بهذا الأسلوب !!
صمت دام لحظات وأنا أراقب الطفلة الصغيرة ..وفجأة أطلقت زفرات آلامها في الفضاء ..ثم تركت مكانها الذي دامت فيه ساعة من الزمن ..دخلت منزلها ..حب الفضول جعلتني اتبع خطواتها ..لعلي أجد شيء يرضي فضولي ..
تابعت تلك الخطوات الثقيلة التي تركت خلفها آثار قدميها الصغيرتان التي ارتسمت على الأرض وقفت عند الباب وأنا أتطلع من ثقوب ذلك الباب الخشبي الذي يتأرجح به الهواء ..صرير الباب جعلني أتنحى جانبا ًعن تلك الفتحات التي رقعت بألواح خشب بالية ..
تعجبت لأمر تلك الطفلة ..ضحكت على نفسي ..تذكرت الأطفال وحبهم الفضولي الذي يدفعهم للمهالك أحياناً
قلت في نفسي ماذا لو خرج علي صاحب هذا المنزل وأنا أقف عند باب منزله ؟؟!!ماذا سأفعل؟؟!!
سرت في طريقي إلى منزلي وأنا أحدث نفسي عن تلك الطفلة الصغيرة وتصرفاتها الغريبة ..
وفي الصباح ..شعرت بحنين يدفعني لتلك الطفلة ..اقتربت من المكان الذي جلست فيه الطفلة رأيت آثار يديها وعاد ذلك السؤال الذي لم أجد له إجابة
لماذا الحزن يخيم على ملامح تلك الطفلة رغم أنها لم تعاصر الحياة ...
وقفت أجول بنظري حول ذلك المنزل الذي زادني حيرة ..
وفجأة رأيت شيء يطفح فوق سطح الماء في بركة صغيرة تجاور المنزل...اقتربت منه لأجد دمية صغيرة قد غطت ملامحها أوراق الأشجار..
تضاربت أفكاري..تشتت ذهني ..وكان الصمت هو سيد ذلك الموقف..عرفت أن الحزن وتلك الدمعات وذلك الأنين سببه تلك الدمية ..
استفهامات تعيق تفكيري هل أصبح تعلق الطفلة بدميتها أكبر من تعلقها بوالدتها ؟لماذا التعلق الجنوني؟
إذن أنا اجزم أن تلك الطفلة تفتقد الحنان المتجدد والاهتمام الدائم
عفواً...أبحرت في استفهاماتي وتناسيت أمر الطفلة الصغيرة
اقتربت من الدمية وأزلت ما كان عليها ثم انتشلتها من الماء ووضعتها جانب البركة الصغيرة ،
لأني اعرف أن تلك الطفلة سوف يأخذها الحنين لذلك المكان....
بقلم: l00li
حرر: 1422هـ