أندهش كثير عندما أفكر في حال مجتمعنا ومن تغير أفكاره وأراه تجاه كثير من القضايا والمتغيرات التي مر ويمر بها فما كان بالأمس القريب مرفوضا أصبح اليوم مقبولا بل يفاخر به على مستوى الأفكار والآراء أو وحتى كوسائل التقنية الحديثة.
أنا أتسأل دائما لماذا يرفض مجتمعنا أي تغير ويقاومه رغم أن التغير أمر طبيعي وسنه كونيه سنها الله في هذا الكون إلى قيام الساعة , ولماذا تصل تلك المقاومة في كثير من الأحيان لحد الحرب عليه ولتحريم هذا التغير تحريم دينيا ثم يرضخ له في نهاية الأمر ويسلم به حتى ممن كانوا أشد عداوة له وحاربوه حربا شعوا ثم تجدهم يقبلون به ويتداولونه كأن لم تكن بينهم وبينه عداوة! .
لم أجد جواب شافي لسؤالي إلا اعتقادي أن مجتمعنا للأسف لا يملك ثقافة التغير وكيفية الإعداد والاستعداد له والتعامل معه بوعي وبحكمه تمكنهم تحديد خيره وشره .
ولو القيانا نظره تفحصيه للمجتمع السعودي لو جدنا أن المجتمع من بداياته ينطبق عليه ما ذكر سابقا من مقاومة ورفض التغيير ومحاربته بسم الدين وبسم العادات والتقاليد من ثم وبمرور الوقت نجده يقبل به وعلى علاته بل يسلم به وقد يسأ استخدامه بدون حسيب ولا رقيب, على سبيل المثال للحصر رفض المجتمع لتعليم البنات ثم ها هن الآن ينلن أعلى الدرجات العلمية من داخل المجتمع وخارجه واكبر دليل على ذلك ابتعاثهن خارجيا للدراسة في المجتمعات التي كان يعاب على الذكور الذهاب إليها مخافة الفتنه ناهيك بالإناث. كذلك مقاومة المجتمع للسيارة والبرقية والتلفزيون وغيرها من الأجهزة التي أصبحت الآن في كل بيت بل وتطور بعضها واستبدلت بوسائل حديثه أفضل وأحدث تقنيه .
ورغم كل ما مر على المجتمع من تجارب سابقه من المفترض أن تكسبه القدره على فهم التغير والتعامل معه إلا انه مازال يمارس العنف معه ولم تكسبه تلك التجارب التي مرت به أي دروس تفيده وتعلمه كيفية التعامل الواعي مع التغير.
ففي التسعينات الميلادية على ما اذكر تمت مقاومة الانفتاح الإعلامي على الآخر من خلال تقنية أطباق الاستقبال (( الدش)) وقام المجتمع آن ذلك بمحاربه هذا الوافد الجديد ونبذ من يقتنه ووصفه بأنه غاش لرعيته ثم هاهو الآن أصبح في أسطح معظم البيوت أن لم يكن كلها بل حتى أن بعض من رجال المؤسسة الدينية بين بأنه جهاز مثله مثل أي جهاز أخر يمكن أن نتلقى منه الخير والشر , وفعلا ثبت للمجتمع أنه تقنيه كما أن فيها الجانب السلبي فيها الجانب الايجابي وبدأ المجتمع بتسخير هذه التقنية لما يخدمه دينيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا , ولم يستفد المجتمع أيضا من هذه التجربة ليتعامل مع تقنية الجوال الكاميرا بنفس العنف والرفض حتى مع أجهزة الأمن للأسف التي كانت تصادر أي جهاز به كاميرا حين ذاك والآن أصبح الجهاز مع الكل رجال ونساء صغار وكبار .
ما ذكرت هي مجرد عينات بسيطة لمقاومة المجتمع لتغييرات التي مرت به وإلا فهناك الكثير بعض منها قبل وأصبح مسلم به والبعض الآخر مازال المجتمع يقاومه ويرفضه كقيادة المرأة للسيارة وعمل المرأة كبائعة مع أن هما يمارسان ولكن بدون أعتراف رسمي وما حصل في مهرجان الجنادرية خير دليل على ذلك وبداية قبول التغيير.
أما ما يثار منذ مدة حول نية التربية والتعليم دمج طلاب المرحلة الابتدائية بنين وبنات لتتولى المعلمات عملية تدريس الجنسين فرفض المجتمع له يدعوا للغرابة فعلا والاستغراب هنا ليس في الرفض بحد ذاته ولكن في مبرره ألا وهو الاختلاط بين الجنسين الذين لم يبلغوا الحلم بعد ويتناسى المعترضين أن هناك اختلاط في كثير من الأماكن كالجامعات والمستشفيات والأسواق وغيرها, (ربما أن الاختلاط في المرحلة الابتدائية أشد خطرا من غيره أقول ربما )!
أيضا من القضايا التي تثار وتدعوا للغرابة هي رفض المجتمع للرياضة في المدارس والتصدي لها بينما الرياضة النسائية تمارس في أنديه ومستشفيات وغيرها ومرخص لها وهناك كما اعلم فرق رياضيه سعوديه نسائية تشارك في منافسات خارجية فما هو مبرر الرفض هناك وقبوله هنا ؟
أنا هنا لا أحاول تمرير رأي الشخصي فانا لي موقف قد يوافق وقد يخالف حسب نوع القضية ولكن أحاول أن افهم لماذا مجتمعنا بهذا القدر من العنف تجاه التغير في بدايته من ثم سرعان ما يسلم ويرضخ له في نهاية المطاف وبكل طواعية.
حقيقة لا أملك إجابة تشفي شغفي وترضي فضولي , لكن ربما أقول ربما أننا نحتاج إلى أن نتعامل مع القضايا بعقلانيه أكثر لأننا ما زلنا نخضع القضايا إلى عواطفنا الشخصية دون إخضاعها للمنطق والعقل وتمحيصها لمعرفة الايجابي منها والسلبي وبالتالي يحدث هذا النوع العنيف من المقاومة بدون وعي وخاصة من الرعيل الأول الذي عرف بمقومة العنيف ضد تيارات التغيير الفكرية والتقنية وغيرها, ولكن ظهر جيل من الشباب الجديد المنفتح أكثر على التغيير بقبول التغيرات الجديدة حسنها وقبيحه ومحاولة تمريره للمجتمع بطرق مشروعه أحيانا وملتوية أحيانا أخرى, وظهرت أصوات بدت غير مبالية بكلام العلماء والمفكرين لما شاهدوه وسمعوه من تناقض أرائهم وأفكارهم والتنازل عن بعض المبادئ التي كانوا يتشدقون بها عند حدوث التغير وما بعد التغير الأمر الذي ولد أزمة ثقة بين الجيل الجديد من الشباب والعلماء والمفكرين من الجيل القديم والمؤيدين لهم من الجيل الجديد, وكأني بهذا الجيل يقول بما أن التغيير سيحدث لا محالة فلم ننتظر تغير نظرة الرافضين له والذين أثبتت التجارب السابقة ذلك رفض في البداية وقبول في النهاية فجيل الشباب يختصر الزمن لان النتيجة معروفة سلفا.
وختاما اعتقد أننا بحاجه إلى أعادة الثقة بين المجتمع وبين العلماء والمفكرين أولا الثقة التي تعرضت لهزات عنيفة على مدى التاريخ من ثم يجب على العلماء والمفكرين إعادة التصحيح للتفكير السائد في المجتمع وذلك بتعليمه أساليب التفكير العقلاني الواعي الذي لا يرفض التغير مطلقا ولا يسلم به بدون تفكير ولكن يمحصه ليعرف ايجابيته من سلبياته ومدى مناسبة للمجتمع وهل يمكن تطويعه ليتوافق مع بيئتنا وعادتنا وتقاليدنا الإسلامية أم لا .
والله تعالى أعلى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.